كما في كل عام مع ذكرى ثورة 14 تموز المجيدة تنبري أقلام مسمومة لمهاجمة الثورة ومحاولة تشويه صورتها وكيل المديح لعهد الحكم الملكي السابق، وبعضهم يركز على شخصية فيصل الثاني كونه شابا بريئا لم يفعل شيئا مؤذيا ولم يحكم سوى خمسة أعوام فقط، وغير ذلك من معسول الكلام. لكن بنظرة بسيطة متفحصة لما حدث في فترة حكمه قد توصلنا لتقييم أفضل. ففي سنوات حكمه تصدت السلطات العراقية الى دور أقليمي جديد تمثل بإقامة حلف بغداد المشبوه عام 1955، والاتحاد الهاشمي مع الاردن عام 1958 والذي أختير فيصل الثاني رئيسا له بالاضافة الى كونه ملكا في العراق، وكان واضحا بشكل جلي إن هذين التشكيلين إنما أقيما لمواجهة إرادات شعوب المنطقة في الإنعتاق والتحرر والعمل على محاربة أي فكر تقدمي مناهض لمشاريع الاستعماريين وركائزهم الاقليميين ، وايضا ظهر موقف الحكم الملكي السيئ في مناصرته للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وعلى الصعيد المحلي لم يقدم الملك الجديد على تغيير أي قانون أو ممارسة سيئة مما ورثه من أسلافه بل إستمر الحكم في قمع إرادة الشعب العراقي في التخلص من التبعية للأجنبي وزج أبنائه المخلصين في السجون، بل وبرزت ظاهرة أخرى بعيد أشهر قليلة من توليه السلطة وهي مواجهة مطاليب السجناء الانسانية بالعسف والعنف فحدثت مجزرتي سجن بغداد وسجن الكوت والتي راح ضحيتهما أكثر من عشرة شهداء وما قارب المائتين من الجرحى ولم تلبي السلطات أي من تلك المطاليب.
كما رسم الملك الجديد توقيعه على مرسوم حل المجلس النيابي عام 1954 لمجرد وصول عشرة نواب من الجبهة الوطنية الى مقاعد البرلمان، وذلك لأن من أهداف الجبهة تلك مقارعة مشاريع الاستعمار ونصرة المظلومين من أبناء الشعب، وقد يكون ذلك بمشيئة العميل نوري السعيد لكن الملك من وافق ومن أصدر قرار الحل. وما حصل بعد ذلك من حملات قذرة لملاحقة وإعتقال منتسبي احزاب الجبهة تلك ومزيدا من قمع الحريات ومصادرة الرأي المخالف.
ومن أقذر الممارسات كانت مواجهة المنتفضين المؤيدين لمصر بمواجهة العدوان الثلاثي، حيث إستخدمت الشرطة الملكية كل اساليب القمع المتاحة وصولا الى مواجهة المتظاهرين بالرصاص الحي وخاصة في النجف وقضاء الحي في الكوت حيث سقط العديد من الشهداء عدا الجرحى الذين إمتلأت بهم المستشفيات في تلك المدينتين، لكن الحكم لم يكتفِ بذلك فكانت محاكمه الصورية مسرحا لتنفيذ المشيئة الملكية بإصدار أحكام السجن طويلة الامد بحق من ألقي القبض عليه من المشاركين في الاحتجاجات تلك، وحتى تلك الاحكام لم تشبع دناءة الحكم الملكي فقد قامت السلطات المجرمة بتنفيذ حكم الاعدام بحق إثنين من أبناء قضاء الحي البررة في الشارع وأمام أعين الناس فإرتقى المناضلان عطا مهدي الدباس وعلي الشيخ حمود شهيدان من أجل كرامة الوطن.
كما لم تشهد فترة حكم فيصل الثاني أي تحسن في الوضع المعيشي للمواطنين بل إن الفقر إزداد كثيرا لعدم وجود خطط تنموية في المدن ولإزدياد قسوة الاقطاعيين في الارياف دون ردعٍ من السلطات، فكانت الهجرة الفلاحية نحو المدن الظاهرة الابرز، حيث البحث عن فرص معيشة أفضل، فإزدادت الاكواخ على أطراف الحواضر بكشل كبير مع كل ما تفتقده تلك المساكن وما حولها من أبسط مستلزمات الحياة مثل النظافة وشبكات الصرف الصحي والماء الصالح للشرب وغيرها، وإنتشار الامراض البيئية بشكل كبير، وفي بغداد وحدها يقدر الباحثون سكنة الاكواخ آنذاك بما يزيد عن الربع مليون إنسان!!
كل هذا لم يكن إلا غيضا من فيض مما كان يعانيه العراقيون في أواخر عهد الملكية وآخر ملوكها فيصل الثاني، لكن هنا من يأتي بحجة بأن الملك لم يكن يستطيع فعل شيئ وكل الامور بيد عبد الاله ونوري السعيد ! لكن أليس هو الملك ولديه صلاحيات دستورية؟ وأيضا للتوضيح أكثر فإن هذا الملك تربى على أيدي خاله المأبون عبد الاله ودرس في المدارس والكليات البريطانية في مصر ولندن ووصل كرسي الحكم وهو متدرب بشكل جيد وعلى دراية بالكثير من بواطن الامور لكنه ـ كما أعتقد ـ إختار وضع هذين المجرمين في الواجهة وتحميلهما، أمام الرأي العام، كل المسؤولية ليظهر هو بمظهر الحمل الوديع، لكني أتصوره فعل ذلك عن ذكاء بخبث.
تبقى مسألة أخيرة أود الاشارة اليها والتي يركز عليها كثيرا أنصار الحكم الملكي بمختلف ميولهم وهي الطريقة التي قتل بها الملك وأفراد من عائلته ، وأقول نعم لم تكن تلك الطريقة الصحيحة بل كان الافضل إحالتهم للمحاكم المختصة وكل ينال جزاؤه ، إلا إن ما حدث لا يمكن تغييره الان وقد إنتهى الامر.