ونحن نعيش أجواء حرب انتخابات مجلس النواب ، وصراع اكثر من 8000 نائب على كراسي البرلمان ، واعتقال بعض الناشطين لأنهم تجرؤا وطالبوا باقامة دولة العدالة الاجتماعية وتوفير الخدمات والرفاهية للناس ، وهذه امور لا يحتاجها المواطن ، فالمطلوب من هذا المواطن أن يسبح بحمد السياسيين ، ويشكر الله على نعمة وجودهم في حياته . في هذا التوقيت نشر خبر تهديم قبر صفاء السراي احد ابرز شباب تشرين الذي مزقت قنبلة "حكومية" رأسه ، وبدلاً من مواساة عائلته ، خرجت علينا الأحزاب الحاكمة لتصفه بالجوكري وأحد عملاء أمريكا الذين ارادوا إشاعة الفسق والرذيلة ، وتخريب المشروع " الديمقراطي " الذي تسير عليه بلاد الرافدين.
قبل ايام شاهدنا خطيب يفتتح حديثه بلعن تشرين ومن ساهم فيها ، وكان لابد ان تُنفذ امنية الخطيب بان تهدم قبور ضحايا تشرين جميعاً ، وكانت البداية مع صفاء السراي ، وبالتاكيد هناك من يتحمس لملاحقة شهداء تشرين وهم في قبورهم .
مارست الاحزاب ومعها جهات حكومية كل وسائل القمع، من ضرب بالرصاص الحي، وقنابل الغاز، لأن شباب تشرين تجاوزوا الإشارة الحمراء في طريق الديمقراطية العراقية، لم يطق عادل عبد المهدي أن يسمع البعض يشكك بنزاهة حكومته فخرج يعلنها صريحة: "إنّ المتظاهرين يريدون الخراب".
اخطر ما جرى للعراق منذ 22 عاما ، هو هذا العبث بمفهوم العدالة، ملايين من العراقيين يعيشون مع الفقر، ومجاميع تتمتع بالثروة والمناصب.
نشرت مواقع التواصل صور لقبر صفاء السراي وقد تم العبث به ، لكن لم يتوقف برلماني واحد حتى من الذين صعدوا على اكتاف تشرين ، ويدين هذا العمل البريري .لم يغضب احد ، والاصعب من ذلك ان الكثير منا أصيب بحالة من الصمم المزمن ازاء هذه المشاهد المخزية ، للاسف نحن شعب اصيب ضميره بداء اللامبالاة ، وتجردت احاسيسنا من فضيلة الشعور بالاسى والالم تجاه معاناة الاخرين، فارتضينا ان نمارس دور المتفرج ، بل ان البعض منا غارق حتى أذنيه في مهرجان الخطابة الطائفي، وتخطفنا الصحف والفضائيات لنتابع اخبار السياسيين المزيفين .
كنت في هذا المكان قد كتبت عن نماذج الحكومات التي تحترم الانسان وتقدر قيمة الحياة . ولم اتخيل ان هناك جهات يمكن ان تطارد القبور
أيها السادة اننا جميعا شركاء في هذه الجريمة إما بالصمت وإما باللامبالاة على أنها "مسألة لا تعنينا"، فما دام الجريمة بعيدة عنا فنحن مطمئنون، رغم ان ما جرى في قضية قبر صفاء السراي يجب ان يشعرنا جميعا بالمهانة.. لاننا ارتضينا ان نتفرج على مأساتنا دون ان نحتج، ولو بابسط ادوات تغيير المنكر واعني الكلام.