كل عام، في مثل هذا الشهر "تموز"، تتذكر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ما جرى صبيحة 14 تموز، البعض يستعيدها بالدفاع عن عبد الكريم قاسم ونزاهته ووطنيته، ويتذكر بيوت الفقراء والمدارس والمستشفيات، وقانون الإصلاح الزراعي والنفط، والأحوال الشخصية.
البعض الآخر ينتقد حكم العسكر والمجزرة التي حدثت للعائلة المالكة.. وبينما تدور حرب البسوس هذه على صفحات الفيسبوك بين أنصار الجمهورية ودعاة الملكية ينتظر المواطن العراقي ان تحتفل الدولة بالقضاء على المولدات الاهلية، اكثر مما ينتظر أن تنتهي ازمة الكهرباء التي صرف عليها حتى لحظة كتابة هذه السطور اكثر من " 90 " مليار دولار عداً ونقداً، ولانني مواطن يؤمن بالديمقراطية، فاني ارى ان الغاء الاحتفال بيوم 14 تموز يجب ان تعوضه الحكومة بأن يتم الاحتفال بذكرى جلوس إبراهيم الجعفري على كرسي رئاسة الوزراء، ففي عهده كانت "الولادة الجديدة" للعراق، كما أريد له أن يتحول إلى ساحة للفشل والانتهازية ونموذج يحتذى به في تعطيل مؤسسات الدولة.
في كل عام تتكرر نفس النغمة عبد الكريم قاسم وثورته وراء الخراب الذي حل بالبلاد، فيما لا تزال باريس تحتفل بثورتها "التموزية" التي اندلعت عام 1789، برغم ان الثوار قطعوا رأس الملك لويس السادس عشر ومعه رقبة زوجته الجميلة ماري انطوانيت، وبرغم ما جرى من اقتتال بين قادة الثورة، لكن لا أحد يجرؤ في فرنسا ان يلغي الاحتفال بالثورة الفرنسية.
سيقول البعض وهو محق، هل تريد لنا أن نصفق لرجل فتح باب الانقلابات العسكرية؟ المشهد مقزز حتمًا، تعليق جثة الوصي عبد الإله وسحل نوري سعيد عاريًا، ولكن هل كان هذا المشهد هو الوحيد في تاريخ هذه الدولة؟ ألم يقتل مؤسس الجندية العراقية جعفر العسكري؟، ألم تعلق جثث الذين اختلفوا مع العهد الملكي في الساحات؟ ألم ترفع الجماهير السيوف والقامات في وجه يهود العراق؟، وأصرت على أن تستبيح أملاكهم؟.
أراد عبد الكريم قاسم أن يؤسس لدولة حديثة بقوانينها، فافتى الشيوخ بقتله، حاول أن يقول لنا إن الخلاص في نظام سياسي ينحاز للفقراء، فتركناه يموت وحيدًا في وزارة الدفاع، هل نحن شعب يسخر من المسؤول الذي لا يسمح لنفسه بأكثر من وجبة غذاء بسيطة؟ لا أبناء، لا زوجة، لا مقربين يحتكرون المناصب، مشتمل بسيط في البتاويين، ومجموعة من الوزراء والمسؤولين الاخيار المخلصين لوطنهم: محمد حديد وناجي طالب وإبراهيم كبة ونزيهة الدليمي ومصطفى علي وهديب الحاج حمود وعبد اللطيف الشواف.
لا أُريد أن أقلب على حضراتكم المواجع في هذه الزاوية الصغيرة، لكننا أيها السادة لا نزال نُغذي الشعارات الطائفية والكره بين أبناء الشعب تحت شعار "ما ننطيها".