الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
بلطجة وتهديدات مافيوية ضد المقررة الخاصة للأمم المتحدة

تنص وثائق الأمم المتحدة على إن حقوق الإنسان هي حقوق عالمية وغير قابلة للتصرف. فهي حق لكل الناس وفي كل مكان في العالم. وليس بوسع أي أحد أن يتخلى عنها طوعاً، كما لا يمكن للأخرين سلبها من أي شخص.وتعمل الأمم المتحدة على حماية حقوق الإنسان بطرق عديدة، من بينها: توجد 10 هيئات دولية تأسست بموجب معاهدات حقوق الإنسان، وهي لجان مؤلفة من خبراء مستقلين تعمل على رصد تنفيذ الاتفاقيات الدولية الأساسية المعنية بحقوق الإنسان.

وفي هذا الإطار، يحق للأمم المتحدة أن تعيّن خبراء (يُطلق عليهم أحيانا اسم المقررين الخاصين، أو ممثلين أو خبراء مستقلين) للتعامل مع قضية محددة في مجال حقوق الإنسان أو مع بلد محدد. ويمكن لهؤلاء الخبراء إجراء دراسات، وزيارة بلدان محددة، ومقابلة الضحايا، وإطلاق مناشدات محددة، أو تقديم تقارير وتوصيات.

وقد أسّست لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة هذا النظام من الرقابة الذي اضطلع به بعد ذلك مجلس حقوق الإنسان في إطار آلية الإجراءات الخاصة، وكذلك فإن تفويض اللجنة لإنشاء مثل تلك الآليات قد تمّ الاعتراف به في القرار رقم 1235 الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي في 6 حزيران 1967 والذي نص بأنه "يجوز للجنة حقوق الإنسان في الحالات الملائمة أن تقوم بدراسة وافية للأوضاع التي تكشف عن أسلوب دائم من انتهاكات حقوق الإنسان وتبلغ بذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي في شكل توصيات".

يتمّ تعيين المقرّرين الخاصين بموجب القرارات التي يتخذها مجلس حقوق الإنسان، والتي يتمّ إقرارها بقرار آخر يتبنّاه المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ويتمّ منحهم تكليفًا لمدة سنة قابلة للتجديد كل سنة، إلّا أن المقرّرين الخاصين ذوي المهام المحدّدة يتمّ ترشيحهم على أساس تكليف لمدة ثلاث سنوات في المتوسط.

في اَيار 2022 تم تعيين فرانشيسكا البانيز مقررة خاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمدة ثلاث سنوات أخرى.وقد نفذت مهامها بكفاءة وشجاعة نادرتين. علماً بان السيدة البانيز إيطالية، مولودة في بأريانو إيربينو.عام 1977، وهي حاصلة على شهادة في القانون مع مرتبة الشرف من جامعة بيزا، وعلى الماجستير في حقوق الإنسان من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن، ونالت الدكتوراه في القانون الدولي للاجئين في كلية الحقوق في جامعة أمستردام.

وقد عملت لمدة 10 سنوات كخبير في حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة، بما في ذلك مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.وهي باحثة منتسبة في معهد دراسة الهجرة الدولية بجامعة جورج تاون، ومستشارة أولى بشأن الهجرة والتهجير القسري في مؤسسة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، وزميلة أبحاث في المعهد الدولي للدراسات الاجتماعية بجامعة إيراسموس روتردام. وشاركت في تأسيس الشبكة العالمية حول قضية فلسطين.

ضمن مهامها كمقررة خاصة، أوصت البانيز في 18/10/ 2022، في تقريرها الأول بأن تضع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة " خطة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني الاستعماري ونظام الفصل العنصري".وخلص التقرير إلى أن "الانتهاكات الموصوفة في هذا التقرير تكشف طبيعة الاحتلال الإسرائيلي، أي طبيعة نظام الاستحواذ والعزل والقمع المتعمد الذي يهدف إلى منع تحقيق حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير"..

على إثر ذلك، شنت الصهيونية العالمية حرب شعواء ضد السيدة البانيز، متهمة إياها بشتى الإتهامات الباطلة. رداً على ذلك، أعلن 65 باحث من معاداة السامية، والمحرقة، والدراسات اليهودية، في كانون الأول2022: "من الواضح أن الحملة ضد ألبانيز لا تتعلق بمكافحة معاداة السامية. الأمر يتعلق بشكل أساسي بالجهود المبذولة لإسكاتها وتقويض تفويضها كمسؤولة كبيرة في الأمم المتحدة تقدم تقارير عن انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان والقانون الدولي".وفي كانون الثاني 2023 أشاد بيان صادر عن 116 منظمة حقوقية ومجتمع مدني ومؤسسات وجماعات أكاديمية بجهود ألبانيز الدؤوبة من أجل حماية حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، وزيادة الوعي بالانتهاكات اليومية لحقوق الفلسطينيين.

وفي مطلع عام 2024 فرضت إسرائيل على البانيز حظر دخولها إلى الأراضي المحتلة، بل ودعت علنًا إلى إنهاء ولايتها.وقد مثل هذا الحظر محاولة لعزل المقررة وشل قدرتها على جمع المعلومات ميدانيًا..

رغم ذلك، توصلت ألبانيز الى معلومات موثقة، في ضوئها قدمت في 26 اّذار 2024 تقريرًا إلى الدول أعضاء الأمم المتحدة قالت فيه أن "هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد باستيفاء الحد الأدنى الذي يشير إلى ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين كمجموعة في غزة ".

وفي 29/12/2023 قدمت جنوب إفريقيا دعوى على إسرائيل أُطلق عليها رسميًا "تطبيق اتفاقيّة منع جريمة الإبادة الجماعيّة والمعاقبة عليها في قطاع غزة" أمام محكمة العدل الدوليّة في لاهاي، هولندا. وفي 11/1/2024 عقدت المحكمة الدولية أولى جلسات محاكمة إسرائيل بتهمة "ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة."

وبعد إجراء تحقيق حول جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى هما بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، ويوآف غالانت وزير الاحتلال الإسرائيلي السابق، بتهم ارتكاب جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كوسيلة حرب، بالإضافة إلى جرائم ضد الإنسانية منها القتل العمد والاضطهاد وأفعال لا إنسانية أخرى

في 31/10/ 2024، أوصت فرانشيسكا ألبانيزي، في تقرير قدمته عن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، بإعادة النظر في عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة أو تعليقها إلى أن تتوقف عن انتهاك القوانين الدولية وتنهي الاحتلال.

وتصاعدت حملة الصهيونية وإدارة ترامب وحكومات ومنظمات دولية موالية لإسرائيل حملة ضغوط مكثفة لمنع التجديد للدكتورة الفانيز لولاية جديدة، ولكن برغم ذلك، مدد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مساء يوم 4/4/2025، لألبانيز، كمقررة خاصة للأمم المتحدة معنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لثلاث سنوات إضافية-حتى عام 2028.

وفي أول تعليق لها بعد تمديد ولايتها كتبت ألبانيز: "إن النور يجد طريقه دائمًا.. استمروا في التألق"..

وفيما بعد، رفضت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية طلب إسرائيل إلغاء مذكرات اعتقال وتعليق التحقيق ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

وفي أحدث تقرير مهم وصريح لها، اتهمت المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إتهمت فيه إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، ودعت إلى محاسبة قادتها أمام المحكمة الجنائية الدولية.كما اتهمت أكثر من 60 شركة، بينها شركات أميركية كبرى، بالتربح من العدوان والمساهمة فيه، من خلال تمكين الفصل العنصري، والتطهير العرقي، والقتل الجماعي للفلسطينيين من أجل الربح.وجاء فيه: "تستمر الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة لأنها مربحة للكثيرين".وقد عكس عنوان التقرير مضمونه: "من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية"، كاشفاً عن أرباح بمليارات الدولارات تجنيها الشركات في مختلف بقاع العالم جراء دعم الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي وحرب الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة.

وهو ما اعتبرته واشنطن تهديدًا مباشرًا لمصالحها السياسية والاقتصادية. ولذا أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في 9/7/2025 وضع ألبانيز على قائمة العقوبات بسبب سعيها لحثّ المحكمة الجنائية الدولية على اتخاذ إجراءات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل لانتهاكهما القوانين الدولية خلال إبادة غزة.

وفي نفس اليوم، طلبت واشنطن من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إقالة ألبانيز، متهمة إياها بـ "معاداة السامية"، على حد زعمها.

وفي أول تعقيب لها، وصفت ألبانيز، القرار الأمريكي بأنه "ترهيب مافياوي". وقالت: "لا تعليق على أساليب الترهيب المافياوي.. هدف عقوبات أمريكا ضدي إلهاؤنا عن إبادة غزة.. أنا منشغلة بتذكير الدول الأعضاء بالتزاماتها بوقف ومعاقبة مرتكبي الإبادة الجماعية، ومن يستفيد منها"..

وقد أثار هذا الاستهداف ردود فعل أممية وحقوقية غاضبة، واعتُبر تهديدً لاستقلالية نظام المقررين، ولسيادة القانون الدولي، ولحق الضحايا في العدالة؛ إذ أعرب مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان عن قلقه العميق، مؤكّدًا أن العقوبات تمسّ استقلالية منظومة المقررين الأمميين.كما عبّر مجلس حقوق الإنسان عن رفضه المساس بخبرائه، داعيًا إلى احترام حصاناتهم. أما منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، فوصفتا الخطوة بأنها سابقة خطيرة تهدف إلى إسكات الأصوات الحقوقية الناقدة. وأكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن العقوبات غير مقبولة على الإطلاق، وتمثل تهديدًا جوهريًا لعمل المنظومة الحقوقية.

ورغم الهجمة الشرسة، واجهت ألبانيز القرار بثبات، وواصلت مهمتها الحقوقية، مؤكدة أن الضغط لن يثنيها عن قول الحقيقة.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 21-07-2025     عدد القراء :  15       عدد التعليقات : 0