الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
إيران بين دونالد ترامب ورافائيل غروسي ( 2 - 2)

تعقيباً على ما ورد في الفقرة الأخيرة من الجزء الأول من هذه المقالة، وصلني تعقيب من دبلوماسي عراقي رفيع، سبق له العمل في فيينا بعد القصف الإسرائيلي للمفاعل الذري العراقي، وأثناء "اشتباك" الوكالة مع العراق حول "أسلحة الدمار الشامل". وكان بالطبع قد شهد بعض مفاصل عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية والصراعات المحيطة بنشاطها وهذا نص التعقيب: "ما ذكرته في مقالك عن شخصية مدير عام الوكالة الدولية للطاقة النووية الذي تفضله أمريكا صحيح جداً، وهي لها تأثير كبير على عمل الوكالة واختيار مديرها. ومما كان متداولاً أن غالبية الموظفين الأمريكان في الوكالة أعضاء في السي آي أي. خلال عملي في فيينا نجحتْ مصر في الحصول على دعم عربي وافريقي ودولي للحصول على منصب المدير العام للوكالة، ورشحتْ سفيرها في فيينا للمنصب وإسمه كما اتذكر محمد إبراهيم شاكر. إلا أن الولايات المتحدة رفضتْ ترشيحه نظراً لشخصيته القوية ولكونه معروفاً بمواقفه العروبية خاصة من اسرائيل، وطلبت استبداله بمحمد البرادعي، الذي كان يعمل آنذاك مستشاراً قانونياً في الوكالة ومعروفاً بشخصيته الضعيفة. وبسبب اختيارها له استسلم البرادعي للإرادة الامريكية في الوكالة ونال بسببها جائزة نوبل للسلام التي لا يستحقها".

لا شك في إن التأييد الغربي لترشيح أي شخصية لمنصب دولي رفيع ليس بريئاً، وسيتحتّم على التأييد مواقف وأثمان للاستمرار بالعمل. فعلى سبيل المثال، عندما يسأل رافائيل غروسي عن تهاونه مع التسلح النووي الإسرائيلي، الذي لا تعرف الوكالة عنه شيئاً، مقارنة بتشدده في الملف النووي الإيراني، المفتوح أمام التفتيش الدولي وفق اتفاقية دولية، الوكالة نفسها طرف فيها إلى جانب مجلس الأمن الدولي، يكتفي بالقول بأن إسرائيل ليست عضواً في اتفاقية حضر الأسلحة النووية!!

هو يتغافل عن حقيقة أنه لم يُسمح لوكالته بالاقتراب من المنشآت النووية الإسرائيلية منذ تأسيسها الى اليوم، وأن ذلك يشكل خرقاً للقانون الدولي وخطراً على المنطقة وشعوبها، ويكتفي بترديد حجة عدم عضويتها في معاهدة حظر الأسلحة النووية.

في الحقيقة إن انعدام عضوية أي بلد في أي اتفاقية دولية لا يعفيها تلقائياً من الالتزامات الواردة فيها. فمنظومة الاتفاقيات الدولية هي التي تشكل أساس النظام العالمي الذي تقوم عليه الأمم المتحدة، وبالتالي فإن الدول الأعضاء ملزمة بحماية المنظومة الدولية. هذا فضلاً عن حقيقة أن الدول الغربية هي التي تصوّت دائماً ضد مشاريع القرارات التي تُقدم في وكالة الذرية، والتي تدعو إلى انضمام إسرائيل لمعاهدة حضر الأسلحة النووية أو فتح منشآتها للتفتيش!

وكمثال آخر -ليس في صالح غروسي- هو عندما حصل القصف الإسرائيلي للمفاعل الذري العراقي في حزيران 1981 كان المدير العام للوكالة هو السويدي هانز بليكس، ذو الشخصية القوية، والذي عرفه العراقيون فيما بعد كرئيس للجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق (إنموفيك). فقد أدانت الوكالة حينها الجريمة الاسرائيلية وثبتت حق العراق في الحصول على الطاقة النووية السلمية، وكان بليكس شخصياً قد زار المنشآت العراقية عدة مرات قبل تدميره. ومعلوم طبعاً بأن مجلس الأمن الدولي ثبّت حقوق العراق بما فيها الحصول على تعويضات في قراره المرقم 487 جراء الدمار الذي ألحق بمنشآته.

أما غروسي، بالمقارنة، فقد اكتفى عند قصف المنشآت الإيرانية بالتصريح بضرورة عدم استهداف المواقع النووية عسكرياً، لكنه لم يدين الهجوم الإسرائيلي والأمريكي على تلك المنشآت. ولو أمعنّا النظر في تصريحه، في ضوء قصف المنشآت الإيرانية، لوجدنا بأنه فعلياً يدعو إيران الى عدم استهداف المواقع النووية الاسرائيلية.

يظهر ولع السيد غروسي بالإعلام وتطوعه المجاني لخدمة نوايا إسرائيل واضحاً في سلوكه. فبعد أن أعلن دونالد ترامب والإسرائيليون بأن القصف قد دمر المنشآت الإيرانية تدميراً كاملاً، ظهر غروسي في مقابلة تلفزيونية ليقول "بأن إيران قادرة على مواصلة التخصيب خلال أشهر"، أي أنه يشكك بالرواية الأمريكية، وربما يفسر التصريح باعتباره تهيئة شروط مواصلة قصف إيران، حتى وإن لم يكن يقصد ذلك بصورة مباشرة. بل أنه طالب بعودة مفتشي الوكالة لزيارة المواقع الإيرانية وتقييم آثار القصف، في ظل الشكوك العلنية الإيرانية بدوره وبنواياه.

وعموماً لدينا في العراق نماذج لبعض الأدوار التي قد تقوم بها لجان التفتيش الدولية عن الأسلحة. فبعضها مخترق أو جرت محاولات اختراقها، وتعرضت الى ضغوط كبيرة، كما جاء على لسان رالف أكيوس مثلاً. فهذا الدبلوماسي السويدي المعروف، الذي ترأس لجنة الأمم المتحدة الخاصة بنزع أسلحة الدمار الشامل في العراق (أنسكوم) في المدة 1991-1997 اتهم الولايات المتحدة بالعمل على تحويل أنسكوم الى لجنة تجسس لصالحها.

وقد فعل الشيء نفسه المفتش سكوت ريتر، الذي تحوّل فيما بعد من "شقي" على طريقة كاوبوي، الى مواقف سياسية راديكالية ضد السياسات الأمريكية والإسرائيلية. أما هانز بليكس الذي ترأس إنموفيك حتى غزو العراق، فقد اعترض على السياسات الأمريكية والبريطانية التي كانت تدفع لجنته للتجسس بهدف إعلان الحرب، وقد صرح قبل الغزو بأن العراق أصبح خالياً من أسلحة الدمار الشامل.

وأخيراً وفي خضّم أحداث المنطقة، والتحضير لجولات أخرى من القصف والعدوان الإسرائيلي على إيران، لابد من التذكير بأن إيران نفسها قصفت بطائرات الفانتوم أثناء الحرب العراقية-الإيرانية المفاعل الذري العراقي في يوم 30 أيلول 1980، وأحدثت دماراً جزئياً، وبعد ذلك بتسعة أشهر حصل القصف الإسرائيلي الذي دمر المفاعل العراقي.

كم من الحكمة والتعقل تحتاج هذه المنطقة لتحيا شعوبنا بسلام؟

  كتب بتأريخ :  الإثنين 21-07-2025     عدد القراء :  24       عدد التعليقات : 0