،تربطني بالصديق الراحل عوني كرومي علاقة عميقة تمتد من ا. لنصف الثاني من الستينات الى تاريخ رحيله المأساوي في برلين ،،،في أواخر الستينات قدم المبدع عوني كرومي مسرحية المسيح يصلب من جديد على خشبة مسرح بغداد فلفت اليه انظار النقاد باعتباره مخرجا شابا مجددا وقد وصف احدهم عوني بالتلميذ الذي تغلب على أساتذته ،،،،،غادر عوني الى ألمانيا وعاد ليمارس اختصاصه أستاذا في كلية الفنون الجميلة /جامعة بغداد في الثلث الأخير من السبعينات فكان مدرسا مجددا ومخرجا تجريبيا لعدد من المسرحيات ، حين عدت من رومانيا التحقت في أواخر عام١٩٧٩ بكلية الفنون فازدادت معرفتي بابي حيدر في تطلعاته التقدمية ومعاناته من اجل البقاء خارج تنظيمات حزب البعث في مرحلة كان الحزب فيها يتحكم بشؤون الكلية وأساتذتها وإدارتها على نحو تعسفي ،، كان الراحل شديد الرغبة في الحفاظ على علاقته الودية بالرائد الكبير الاستاذ جعفر السعدي وفرقة المسرح الشعبي الذي تبنت مشروعه الحداثوي " مسرح الستين كرسي" وما عرض عليه من مسرحيات رائعة في جانبها الفكري وفِي مقدمتها " صراخ الصمت الخرس" للراحل محي الدين زنكنه ،،،،،في عام١٩٨٦ التحق قسريا كافة اساتذة الجامعات بمعسكرات الجيش الشعبي بقرار من الحزب والوزارة ،،،، كان موقعنا للتدريب في منطقة العظيم شمال الخالص ،،هناك جرد الأساتذة من كرامتهم وأصبحوا أرقاما مفروشة على ارض ترابية يدوسها البعثيون من عسكريين ومدنيين تحت اقدامهم القذرة ،،، كانت تلك الأشهر اللعينة التي قضيناها مرغمين في المعسكر بمثابة عقاب جماعي للأكاديميين وترويض شرس لمكانتهم الاجتماعية ،،، من ذكريات تلك المرحلة ما قاسيناه من زميلنا التدريسي في الكلية الدكتور جبار عودة العبيدي الذي ارتدى بزة نقيب احتياط وعاملنا والطلبة معاملة السيد لعبيده ،،،، لم يحقق البعثيون هدفهم في كسر شوكة الأساتذة والطلبة كما يشتهون وكان رد إعداد من الطلبة ماحقا ففي احدى حالات دعوة الطلبة لركوب العجلات للتوجه الى ميادين الرمي ردد بعضهم لفظ ميع ، ميع ،ميع ،،للايحاء بأنهم قطيع من الخرفان يساق بالعصا ،، وكان الثمن غاليا اذ فصل دراسيا ٣٥٠ طالبا تنفيذا لتقرير يقال ان محرره جبار عودة الذي هرب عام١٩٩١ خشية من ملاحقات الطلبة ظنا منه ان النظام انتهى بفعل الانتفاضة العارمة. ،،، كان عوني يمر علي احيانا بسيارته البرازيلي لارافقه الى المعسكر ( في حالة زيارتنا الى اهلنا في بغداد) ،، في الطريق الى العظيم كنا نتحدث بحرية عن المأساة التي نعيشها وعجزنا عن مجابهتها والتحلي بالصبر حفاظا على أنفسنا وعوائلها من المصير المحتوم ،،،،، في عام١٩٩١ غادر عوني وأسرته الى الاْردن والتحق بجامعة اليرموك -قسم الفنون الجميلة قبل ان يتحول الى كلية- التقيت بعوني مجددا في عام ١٩٩٢ كأستاذ زائر لسمستر واحد ،،. لاحظت كيف ان عوني اصبح لولب نشاط القسم في مجمل فعالياته المسرحية ،،خلال تواجدي هناك قدم عوني مسرحية المس جوليا لسترندبرغ وقد حظى العرض بانتباه النقاد والمتابعين وكنت في مقدمتهم عبر نشر دراسة تحليلية عن العرض في مجلة اليرموك المجلة المركزية التي تصدر عن الجامعة ،،،، حدث مرة وخلال تلك الفترة حضوري والراحل الكبير يوسف العاني والناقد ياسين النصير عروض مهرجان المسرح الأردني الذي شارك فيه عوني بعرض مميز وبالقدر الذي نال فيه العرض رضى بعض الفنانين الأردنيين حاول المغرور منهم التقليل من أهميته فترك ذلك اثرا سلبيا على مزاج عوني حاولت تبديده وبيان اسبابه ،،،، فجأة أصيب. عوني بجلطة ادخل على اثرها مستشفى الراهبات في أربد زرته والأساتذة الاردنيون وعدد كبير من طلبته ولكن رئيس الجامعة وقتذاك البرفيسور علي المحافظة كان اول الزائرين ،،، عندما انتهت فترة وجودي كأستاذ زائر استدعيت من قبل عميد الكلية ليطلب مني البقاء في الجامعة وفقا لعقد عمل وقد اختارني استثناءامن ثلاثة موفدين عراقيين ،،، حاول عوني إقناعي بالبقاء لكن خشيتي على كفيلي المرحوم الدكتور عبد المرسل الزيدي عميد كلية الفنون في بغداد منعتني من تلبية الطلب ،،،، عدت الى بغداد وغا در عوني بعد سنوات الى برلين ،،،،بعد سقوط النظام اختير عوني عضوا في مجلس إدارة شبكة الاعلام العراقي ليمارس مهماته من برلين لكن يد القدر لم تمهله طويلا فرحل عن عالمنا مبكراعام ٢٠٠٦ وفِي رحيله فقد المسرح العراقي واحدا من خيرة ابنائه البررة ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الصور: الاولى مشهد من مسرحية في. انتظاركودو المرحوم عوني مع المرحومين سامي السراج وصادق علي شاهين عام١٩٦٧ الثانية عوني كرومي في كلية الفنون ، الثالثة عوني يتسلم احدى الجوائز في مهرجان مسرحي