ليست الضربة الأخيرة على إيران مجرد هجوم جوي، بل لحظة انكشاف لغرفة عمليات ظلّت طيّ الكتمان لربع قرن، حيكت داخلها واحدة من أعقد شبكات التسلل والاستخبارات في المنطقة. شبكة هندية-إسرائيلية صُممت بهدوء، واستُخدمت فيها الجاليات الهندية المنتشرة في الخليج كحصان طروادة لاختراق الأنظمة التقنية والعسكرية، وحتى النووية.
ما بدأ كتحالف بين RAW والموساد في أعقاب حرب كارجيل عام 1999، نضج إلى عقيدة عملياتية كاملة بعد هجمات مومباي 2008: إسرائيل ترسم الخطة، والهند تنفّذ بأيدٍ عاملة مبرمجة ومندسّة في أنظمة البنوك، وأبراج الاتصالات، والمطارات الخليجية.
ولم يكن حضور الشركات الهندية الكبرى مثل TCS وWipro وL&T في البنية التحتية مجرد توسع اقتصادي. ففي الإمارات، TCS تتوغل في نظام "دو"، وWipro تسيطر على أنظمة بنك NBD. في البحرين، Tech Mahindra تزرع أدوات مراقبة داخلية. أما الرادارات الإسرائيلية من طراز EL/M-2084 فتركّبها أيادٍ هندية.
الأخطر؟ أن برامج التجسس مثل "بيغاسوس" لم تُدخل من بوابات إسرائيلية مباشرة، بل عبر قنوات هندية خفية. أنظمة MDM، على سبيل المثال، كانت تُشغَّل من غرف فنادق لا تحمل أعلامًا، ولكنها تُشغَّل بأيدٍ تدّعي أنها "عمالة وافدة" فقط.
وعليه، فإن اغتيالات كبرى مثل سليماني، فخري زاده، أو حتى محاولات استهداف هنية، لم تعد تُقرأ كمجرد ضربات ذكية، بل نتائج حتمية لشبكة اختراق ذكي. الإصبع على الزناد كان هندياً، بتنسيق إسرائيلي، ومن أرض خليجية.
لكن اللعبة انكشفت: إيران تعرض متهمين آسيويين بتهم تجسس. تركيا تعتقل عملاء يستخدمون برامج هندية مشفّرة. قضية شركة Dahra في قطر تكشف المستور، وتُثير الشك في كل جواز أزرق أو بطاقة موظف هندية.
والخليج بدأ يتحرك: تجميد تصاريح أمنية. مراجعة شاملة للبيانات البيومترية. سحب عقود من الشركات الهندية لصالح جهات مصرية وصربية.
وتعاون استخباري متسارع بين طهران وإسلام آباد.
الهند الآن في زاوية حرجة: الدفاع عن مواطنيها يبدو دفاعاً عن شبكة تجسس، والصمت يُفهم كإقرار... شبكة "النفوذ الصامت" تحولت إلى تهديد صاخب. ما كان يُستخدم كجسر للاقتصاد، أصبح فخاً للأمن القومي.
هل كانت هذه هي الحلقة المفقودة في ملف الاغتيالات؟ ربما لم يكن سليماني هو الهدف الأول... بل أول من سقط بعد اختراق الحصن من الداخل.